في صبانا كنا نستمتع إلى حد العشق بتلك الحكايات التي ترويها لنا جداتنا ليلا قبل النوم من أجل الاستئناس والسفر بخيالنا الفتي عبر معالم غريبة لكنها رائعة، هاته الحكايات رغم أن الجدات يتسمن في سردهن لها بنوع من الجدية والاحترافية المتجلية في طريقة عرض الأحداث والإيماءات المرافقة لها، لكن كان هنالك شيء ما يوحي لنا بأن الأدوار كلها خيالية وغير واقعية، خصوصا حينما تختم الجدة سردها للحكاية قائلة " مشات حكايتي مع الواد الواد، وبقيت أنا مع الجواد " فنزداد يقينا بأننا أمام حكايات لا علاقة لها بواقعنا المعاش، لكن تأثير هذه الحكايات لا يتوقف عند حدود المتعة فقط بل يتجاوزه، حينما تخزن بنياتنا الذهنية حكايات الليل وتجسد شخوصها في نهارنا أشباحا تستعملها الأم والأخت والخالة لإرعابنا فتوظف الشخصيات الشريرة من اجل إخافتنا ومنعنا من القيام بشيء معين إلى أن تسيطر علينا تماما هذه المخاوف ويصبح سلوكنا غير سوي، وعلاقتنا بالأخر مضطربة لأننا تعلمنا أن نخاف من اللاشيء كنتيجة لذاك الخلل الذي أصاب إدراكنا وسيطر على تمثلاتنا للواقع وأشياء أخرى، بيد أن كل هذا يبقى في حدود واقع فرضته ظرفية اجتماعية معينة لا ترقى إلى مستوى التنظيم بالمفهوم المتداول.
في مدارسنا أيضا يعاد خلق شروط نفس الحالة السابقة لكن هذه المرة بشكل منظم ووفق علاقة عضوية بين الدين والخرافة، حيث تعمل مادة التربية الإسلامية باعتبارها مادة دينية على تقديم نصوص وأحاديث للتلميذ يصعب فهمها، أو حتى إفهامها وفق منهج علمي سليم، فيكتفي المدرس بالإشارة إلى المصدر الرباني الذي يصوره على أساس انه مصدر الحقيقة المطلقة حتى لا يسمح للطفل أو التلميذ بفتح المجال لعقله بالتفكير أو المناقشة ليكتفي بعد ذلك بشرح هاته النصوص الدينية لغويا لتسهيل عملية الحفظ التي ترهق وبشدة الخلايا الذهنية للطفل لأنه ببساطة أمام عملية حفظ طلاسم لا معنى لها ولا قيمة علمية، فيتحول التلميذ من مصدر لطرح السؤال والتعود على منهجية التفكير السليم والموضوعي إلى ذاكرة ميتة وظيفتها الأساس تخزين أرقام سنوات هجرية وحروف كلام ميتافيزيقي ومن ثم التأهب لاسترجاعه ساعة الضرورة.
الأهم من هذا هو ما يقدم من دروس تحت عناوين مختلفة وبراقة لكن بمجرد أن يستهل التلميذ الدرس حتى يكتشف أن نصوص الانطلاق لا تربط بينها وبين الإستشهادات الدينية المتضمنة وموضوع الدرس أية علاقة أو أن الاستشهاد في غير محله الصحيح، ولعل هذا يقتل في المتعلم القدرة على الاستشهاد العقلي والدفاع عن المواقف ووجهات النظر وتبريرها تبريرا سليما، أما إذا أمعنا النظر في مضامين النصوص فنجد أنها عبارة عن قيم متجاوزة من منطلق أنها تعتمد قاعدة العقاب كمحفز ودافع "عنفي" بمعنى أن طابع التخويف بالنار وأوصاف جهنم يهيمن على الخطاب الموجه للتلميذ، فدائما ما يعتبر ملزما بإتباع أمر ما فقط ليضمن سلامة نفسه من العقاب الإلهي، هذا الأخير الذي يلازم التلميذ في حياته اليومية فيضل رهين هواجس الخوف التي تكبح داخله روح الإبداع والتواصل مع الأخر، فتجده بمجرد أن يعارضه احد ما في الرأي أو التوجه العقائدي حتى يصنفه ضمن أصحاب جهنم، وينظر إليه نظرة احتقار وأسف، لتتوتر بعد ذلك علاقتهما وتنعدم الثقة وروح الإخاء البشري المتأصل في الكرامة الإنسانية، إنها فعلا عملية غير مباشرة وغير معلنة لصناعة التعصب ونبد الآخر لكن لا يمكن لأي احد أن يلمسها إلا من خلال بعض ردود الأفعال أو المعاملات الأخرى، فأي تسامح وتعايش هذا؟
إنها عمليات فعالة من اجل صناعة عقليات تؤمن بالعنف كوسيلة من أجل الوصول إلى غاياتها، العنف بكل تجلياته المادية والمعنوية منها
في مدارسنا أيضا يعاد خلق شروط نفس الحالة السابقة لكن هذه المرة بشكل منظم ووفق علاقة عضوية بين الدين والخرافة، حيث تعمل مادة التربية الإسلامية باعتبارها مادة دينية على تقديم نصوص وأحاديث للتلميذ يصعب فهمها، أو حتى إفهامها وفق منهج علمي سليم، فيكتفي المدرس بالإشارة إلى المصدر الرباني الذي يصوره على أساس انه مصدر الحقيقة المطلقة حتى لا يسمح للطفل أو التلميذ بفتح المجال لعقله بالتفكير أو المناقشة ليكتفي بعد ذلك بشرح هاته النصوص الدينية لغويا لتسهيل عملية الحفظ التي ترهق وبشدة الخلايا الذهنية للطفل لأنه ببساطة أمام عملية حفظ طلاسم لا معنى لها ولا قيمة علمية، فيتحول التلميذ من مصدر لطرح السؤال والتعود على منهجية التفكير السليم والموضوعي إلى ذاكرة ميتة وظيفتها الأساس تخزين أرقام سنوات هجرية وحروف كلام ميتافيزيقي ومن ثم التأهب لاسترجاعه ساعة الضرورة.
الأهم من هذا هو ما يقدم من دروس تحت عناوين مختلفة وبراقة لكن بمجرد أن يستهل التلميذ الدرس حتى يكتشف أن نصوص الانطلاق لا تربط بينها وبين الإستشهادات الدينية المتضمنة وموضوع الدرس أية علاقة أو أن الاستشهاد في غير محله الصحيح، ولعل هذا يقتل في المتعلم القدرة على الاستشهاد العقلي والدفاع عن المواقف ووجهات النظر وتبريرها تبريرا سليما، أما إذا أمعنا النظر في مضامين النصوص فنجد أنها عبارة عن قيم متجاوزة من منطلق أنها تعتمد قاعدة العقاب كمحفز ودافع "عنفي" بمعنى أن طابع التخويف بالنار وأوصاف جهنم يهيمن على الخطاب الموجه للتلميذ، فدائما ما يعتبر ملزما بإتباع أمر ما فقط ليضمن سلامة نفسه من العقاب الإلهي، هذا الأخير الذي يلازم التلميذ في حياته اليومية فيضل رهين هواجس الخوف التي تكبح داخله روح الإبداع والتواصل مع الأخر، فتجده بمجرد أن يعارضه احد ما في الرأي أو التوجه العقائدي حتى يصنفه ضمن أصحاب جهنم، وينظر إليه نظرة احتقار وأسف، لتتوتر بعد ذلك علاقتهما وتنعدم الثقة وروح الإخاء البشري المتأصل في الكرامة الإنسانية، إنها فعلا عملية غير مباشرة وغير معلنة لصناعة التعصب ونبد الآخر لكن لا يمكن لأي احد أن يلمسها إلا من خلال بعض ردود الأفعال أو المعاملات الأخرى، فأي تسامح وتعايش هذا؟
إنها عمليات فعالة من اجل صناعة عقليات تؤمن بالعنف كوسيلة من أجل الوصول إلى غاياتها، العنف بكل تجلياته المادية والمعنوية منها